جيلان من العراقيين لم
يعرفا غير الحروب وتكميم الافواه والتصفيات في أقبية الأمن والمخابرات.
جيلان وحياة العراقي على كف عفريت ، تكفي وشاية أو نأمة احتجاج لأن
تؤدي به الى التهلكة. جيلان والعراقي لا يأتمن حتى جدران بيته بعدما
انتُهكت حرمة البيوت. جيلان والعراقي لا يعرف من القانون سوى ما يتفوه
به الحاكم. فكلمة الرئيس السابق صدام حسين كانت هي القانون. واليوم
واجه صدام قوة القانون ، لا كما كان يعرفه حين عدَّه ذات يوم قصاصة ورق
، بل قانون العدل واحترام كرامة الانسان ، كما يأمل الضحايا والعراقيون
عموما. وفي اطار دولة القانون التي يطمح العراقيون الى استعادتها
في بلد ارتبط اسمه بسن أول القوانين ، استقبلت بغداد وفدا يضم ثلاثة
اعضاء من منظمة العفو الدولية لمراقبة وقائع الجلسة الاولى لمحاكمة
صدام وسبعة من اركان نظامه. وحضر وفد المنظمة الدولية لمراقبة التزام
المحكمة بالمعايير الدولية في النزاهة والشفافية. واصدرت منظمة العفو
الدولية بيانا شددت فيه على ضرورة اجراء محاكمة عادلة للمتهمين بانتهاك
حقوق الانسان من أجل انصاف الضحايا انفسهم الذين لا يريدون سوى ان تتخذ
العدالة مجراها الطبيعي. منظمة مراقبة حقوق الانسان "هيومان رايتس
ووتش" من جهتها شدد على ضرورة تقدم المسؤولين عما ارتُكب من جرائم في
زمن صدام. وقال مدير برنامج العدل الدولي في المنظمة ريتشارد
ديكر ((NC101936)) "أعتقد ان مما له أهمية بالغة ان يُحاكم صدام
حسين محاكمة عادلة. واعتقد ان مما له أهمية بالغة تقديمه للمحاكمة. فان
جرائم مريعة ارتُكبت في العراق خلال حكم البعث ويتعين تقديم كبار
المسوؤلين عنها من القادة الى المحاكمة ليمكن إحقاق العدل". صدام ،
وكما هو متوقع ، دفع اليوم ببراءته من هذه الجرائم.
في غضون
ذلك ابدى خبراء دوليون وقانونيون شكوكهم في تمكن المحكمة المختصة من
الارتقاء الى مستوى هذه المعايير نظرا للاجواء المشحونة سياسيا التي
تجري المحاكمة في ظلها ، بحسب رأيهم. وفي حديث لاذاعة العراق الحر أعرب
الخبير في القانون الدولي من جامعة انزبروك النمساوية البروفيسور هانز
كوخلر عن ثقته بكفاءة القضاة العراقيين ولكنه اشار الى تأثير ما اطلقه
مسؤولون عراقيون من تصريحات عن المتهم الرئيسي في المحاكمة على قرار
هؤلاء القضاة. وقال البروفيسور كوخلر "إني في الحقيقة لستُ قلقا من
خبرة القضاة العراقيين في المجال القانوني. فأنا اعتقد انهم متمرسون
بجوانب القانون الجنائي على اختلافها. ما يهمني هو استقلاليتهم وما إذا
كانوا في موقع يتيح لهم العمل باستقلالية في وقت تتسم فيه القضية بدرجة
عالية من التسييس ، وفي وقت اطلق مسؤولون عراقيون كبار تصريحات عن
الحكم المتوقع من المحكمة".
ومن التحفظات الأساسية الاخرى التي
يجري التعبير عنها بشأن المحاكمة انها تجري تحت احتلال أجنبي ينزع عنها
اصلا صفة الشرعية ، كما يحتج اصحاب هذا الموقف. وترتدي هذه التحفظات
أشكالا قوية بصفة خاصة في البلدان العربية. وفي تصريح لاذاعة العراق
الحر اكد زياد الخصاونة الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب
والرئيس السابق لهيئة الدفاع عن صدام حسين ان المحكمة التي تقاضي صدام
لا يمكن ان تكون عادلة في ظل احتلال اجنبي. وقال الخصاونة ((
)) البروفيسور كوخلر بدوره حذر من التأثير الذي يمكن ان تمارسه سلطة
محتلة على استقلال القضاة. وقال الخبير القانوني النمساوي في حديثه
لاذاعة العراق الحر "ان هذه المحاكمات ستكون خاضعة عمليا لسيطرة
سلطة محتلة. وما دامت هناك قوة احتلال هي التي في نهاية المطاف تمارس
السيطرة على الوضع السياسي وتتولى ضمان الأمن فان هناك دائما مشكلة
بقدر تعلق الأمر باستقلال القضاء". صدام نفسه اصر في المحكمة
اليوم ((101945)) التحفظ الآخر على المحكمة المختصة ونظامها
الأساسي انها لا تأخذ في اعتبارها القانون الجزائي العراقي بل تستند في
عملها الى ما صدر من قوانين ولوائح منذ الحرب. وفي هذا السياق قال
الخصاونة (( ولكن قانونيين عراقيين يُلفتون الى ان الاتكاء على
هذه المحاجة القانونية ليست لصالح المتهم لأن القانون العراقي يغطي
جميع الجرائم التي يُحاكم صدام واركان نظامه بتهمة ارتكابها. وفي حديث
لاذاعة العراق الحر أكد الدكتور صلاح الفتلاوي استاذ القانون الجنائي
في كلية القانون بجامعة بغداد ان المحكمة التي عقدت جلستها الاولى يوم
الاربعاء شُكلت بقانون خاص وما لا يقع ضمن اختصاصها يمكن استحضار قانون
العقوبات العراقي بشأنه. وقال الدكتور الفتلاوي (( بموازاة هذا
الجدل الاكاديمي في متاهات القانون واصول المحاكمات هناك مناظرة من نوع
آخر تدور على المستوى الشعبي بين المواطنين العراقيين ، الذين بحقهم
ارتُكبت فظائع وباسمهم تجري محاكمة المتهمين بارتكابها.
(( وسواء أكان الجدل بين خبراء متخصصين أو مواطنين اعتياديين
فقد أكد الدكتور صلاح الفتلاي ان هناك ما يكفي من المسوغات لاعتبار
المحاكمة شرعية بالكامل. وأجمل الدكتور الفتلاوي وجهات النظر المختلفة
ورأيه هو بالقول (( المركز الدولي للعدالة الانتقالية من جهته
اعلن ان المحكمة العراقية المختصة تواجه مهمةً بالغة الصعوبة على جبهات
متعددة منها مقاومة أي ضغوط سياسية يمكن ان تنتقص من استقلاليتها ،
وتبديد أي شكوك في شرعيتها ناجمة عن ثقل النفوذ الاميركي ، ومراعاتها
قولا وفعلا للمعايير الدولية وشروط النزاهة لا سيما ما يتعلق بحقوق
المتهمين ، وتوفير حماية ودعم كافيين للشهود في اوضاع أمنية متردية ،
وضمان الشفافية وابقاء العراقيين عموما على اطلاع حول وقائع المحاكمة
ومجرياتها بصورة منتظمة. وأكد المركز الدولي ان تصدي المحكمة بنجاح
لهذه التحديات سيضمن إنجاز مهمتها وتأكيد ما ذهب اليه استاذ القانون
الجنائي الدكتور الفتلاوي في أن محاكمة صدام حسين واركان نظامه محاكمة
قانونية مئة في المئة.
|